مليشيا الحوثي تقر بمصرع قيادات بارزة بعد أشهر من التكتم: تداعيات استراتيجية

أقرت مليشيا الحوثي الإرهابية، مؤخرًا، بمصرع عدد من قياداتها البارزة المتخصصة في سلاح الصواريخ والطيران المسيّر، وذلك بعد نحو تسعة أشهر من التكتم على مقتلهم. جاء هذا الإقرار عقب غارات جوية أمريكية استهدفت مواقع تابعة للمليشيا في مارس الماضي، حيث تضمنت قائمة القتلى المعلنة “زكريا عبدالله يحيى حجر”، الذي كان ينتحل رتبة لواء، مما يثير تساؤلات حول توقيت الإعلان وتداعياته على الصعيدين العسكري والسياسي.

الخلفية والسياق: سياسة التكتم الحوثية

لطالما اتبعت مليشيا الحوثي سياسة صارمة في التكتم على خسائرها البشرية، خاصة فيما يتعلق بالقيادات العسكرية، وذلك للحفاظ على معنويات مقاتليها وتجنب إظهار الضعف أمام خصومها. يمثل الإقرار الأخير خروجًا عن هذا النمط المعتاد، مما يشير إلى وجود ضغوط داخلية أو خارجية دفعت المليشيا للكشف عن هذه المعلومات بعد فترة طويلة من الصمت.

تأتي هذه الوفيات في سياق حملة أوسع من الضربات الجوية التي تستهدف قدرات المليشيا الصاروخية ومخازن الطائرات المسيّرة، والتي تُعد العمود الفقري لقوتها الهجومية في المنطقة، خاصة في تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر. كانت الولايات المتحدة قد كثفت ضرباتها الجوية ضد أهداف حوثية في اليمن ردًا على هجمات المليشيا المتكررة على السفن التجارية والعسكرية.

التفاصيل والتحليلات: ضربة للقدرات العسكرية

يُعد زكريا عبدالله يحيى حجر، وغيره من القيادات التي لم تُفصح المليشيا عن أسمائها بالكامل، من المهندسين والعقول المدبرة وراء تطوير وتشغيل ترسانة الحوثيين من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة. خسارة مثل هذه الكفاءات تمثل ضربة كبيرة للقدرات التكنولوجية والعسكرية للمليشيا، وقد تؤثر على جودة ودقة عملياتها المستقبلية.

يرى محللون عسكريون أن تأخر الإعلان عن هذه الوفيات قد يكون محاولة من الحوثيين لإيجاد بدائل لهؤلاء القادة أو لإعادة تنظيم صفوفهم قبل الكشف عن حجم الخسارة. كما أن الإعلان قد يكون موجهًا للجمهور الداخلي، في محاولة لتبرير استمرار القتال أو حشد الدعم بعد فترة من التراجع أو الركود في جبهات معينة.

وفقًا لتقارير استخباراتية، يعتمد الحوثيون بشكل كبير على عدد محدود من الخبراء في مجال الصواريخ والطائرات المسيّرة، والذين تلقوا تدريبًا ودعمًا من جهات خارجية. لذا، فإن استهداف هذه القيادات ليس مجرد خسارة لأفراد، بل هو استنزاف للخبرة المتراكمة والمعرفة التقنية الحيوية لاستمرارية هذه البرامج العسكرية.

تداعيات سياسية وعسكرية: ما بعد الإقرار

قد يحمل إقرار الحوثيين بهذه الوفيات تداعيات متعددة. على الصعيد العسكري، يمكن أن يؤدي إلى تباطؤ في وتيرة هجماتهم الصاروخية والجوية، أو على الأقل إلى تراجع في مستوى تعقيدها. كما قد يدفع المليشيا إلى إعادة تقييم استراتيجياتها الدفاعية والهجومية في مواجهة الضربات الجوية المكثفة.

سياسيًا، قد يضع هذا الإعلان المليشيا في موقف حرج داخليًا، حيث يمكن أن يثير تساؤلات حول فعالية قيادتها في حماية كوادرها. خارجيًا، قد يُنظر إليه كإشارة إلى الضغط المتزايد الذي تواجهه المليشيا، خاصة في ظل حملة التحالف الدولي لحماية الملاحة في البحر الأحمر. هذا الإقرار قد يعزز أيضًا رواية الولايات المتحدة حول فعالية ضرباتها في استنزاف قدرات الحوثيين.

من جانب آخر، قد تحاول المليشيا استغلال هذا الإعلان لتحويل هؤلاء القادة إلى “شهداء”، في محاولة لحشد المزيد من الدعم الشعبي وتغذية خطاب المقاومة. ومع ذلك، فإن الطبيعة المتأخرة للإعلان قد تضعف من هذا التأثير، حيث أن الأحداث قد تجاوزت هذه الخسائر.

المضي قدمًا: ما الذي يجب مراقبته؟

في الفترة القادمة، يجب مراقبة عدة مؤشرات لتحديد التأثير الحقيقي لهذه الخسائر. أولاً، مدى استمرار وتيرة هجمات الحوثيين على الملاحة في البحر الأحمر، وما إذا كانت ستشهد انخفاضًا ملحوظًا في العدد أو التعقيد. ثانيًا، رد فعل الحوثيين على الصعيد الميداني والسياسي، وما إذا كانوا سيلجأون إلى تصعيد جديد أو سيتبنون موقفًا أكثر حذرًا.

ثالثًا، مدى قدرة الحوثيين على تعويض هذه الكفاءات المفقودة، وما إذا كانت لديهم بنية تحتية كافية لتدريب بدائل بسرعة. أخيرًا، يجب متابعة أي تطورات في جهود السلام في اليمن، حيث قد تؤثر هذه الديناميكيات العسكرية على حسابات الأطراف المتحاربة في أي مفاوضات مستقبلية.