مأساة الالغام المستمرة.. قصة فقد اسرة لابيها و اثنين من ابنائها
كعادته، كان الموطن أبو الخير أحمد يوسف مقحزي، وهو من سكان قُرى دار دوبلة بمديرية حيس؛ ينطلق من منزله كل يوم، حين تبزغ أشعة الشمس في الصباح، إلى سوق المديرية على متن دراجته النارية؛ ليسترزق بها ما يوفر لقمة عيش كريمة له ولأولاده التسعة وزوجته نعمة، بيد أن في إحدى أيام عام: 2017، خرج معيل العائلة (أحمد)، ولكنه لم يصل إلى السوق ولم يعد إلى المنزل، ذلك أن لغمًا من بين آلاف الألغام التي زرعها الحوثيون تحت تراب الحديدة، انفجر به في منتصف الطريق، وترك جسده ينزف في حالة ما بين الحياة والموت. ولم تنتهِ المأساة عند هذا الحد، فعند وصول الخبر إلى العائلة، سارع زكريا ذو 15 ربيعًا وشقيقه عامر ذو 13 ربيعًا لنجدة والدهما على متن دراجتهما، وتمكنا من حمّل أباهما على الدراجة؛ محاولان إسعافه إلى أقرب مستشفى، وما لبثا في السير حتى انفجر لغم حوثي آخر كان مزروعًا على مقربة من اللغم الأول، ليمزق أجسادهم إلى أشلاء تضرجت بدمائهم، وقد تناثرت على قارعة الطريق.
تروي نعمة سالم حسن، قصة استشهاد زوجها أحمد وفلذتي كبدها زكريا وعامر، أنهم كانوا عائشين في بلادهم بمديرية حيس معززين مكرمين لا ينقصهم شيء والحمدلله، وان زوجها لديه دراجة نارية يخرج للعمل بها كل يوم منذ الصباح حتى يعود في المساء، وقد ادخر قوت أولاده التسعة.
وتواصل سرد تفاصيل القصة، خرج إلى مدينة حيس ومعه راكبان، وعندما وصل إلى الجسر الواقع في منطقة دار دوبلة، انفجر به لغم من ألغام الحوثيين.وتتابع حديثها، أن أحد الأهالي جاء يخبرهم بذلك وما يزال زوجها على قيد الحياة، ثم انطلق اثنان من أولادها على متن دراجتهما الثانية إلى موقع الانفجار، وعندما حملا والداهما على الدراجة أخذا في السير ودهسا لغمًا، واستشهد الثلاثة؛ الأب أحمد ونجلاه زكريا وعامر؛ ضحايا بسبب ألغام الحوثي.
فاجعة الألغام:
تلك الألغام لم يكن لها هدف عسكري، غير أنها كانت رغبة في زراعة الموت تجسدّت في فطرة جماعة الحوثي، كما أن حادثة مقتل أحمد ونجليه لم تكن حادثة عابرة على حياة العائلة، بل كانت جرحًا غائرًا في قلوبهم أحدث آثارًا صحية ونفسية عميقة، وغلبتهم راسًا على عقب.
تقول نعمة متعجبة من إجرام الحوثيين: لماذا يلّغم الحوثيين بجوار منزلنا وقد رأيتهم بعيني يزرعون الألغام أمام البوابة حين كنت أحضر الخبز من الموفى (موقد)، وعندما سألتهم لماذا تلغمون، ولدي أولاد صغار وإذا خرجت سوف اذهب ضحية؟ ولم تجد منهم إجابات سوى أن تغادر المنطقة.
وتضيف، لقد كنت خائفة على أولادي الصغار من الألغام إذا ما خرج أحد منهم، ولكن الكبار وقعوا ضحية؛ إذ جاء الأهالي بالدراجتين معطوبتين، وأخبروني بأن زوجي واولادي استشهدوا، ثم أصبت بصدمة لثلاثة أيام على إثرها أسفعوني إلى المستشفى، وكنت أتقيأ دمًا، أما أمي العجوز فلم تستطع تحمل الفاجعة وفارقت الحياة! دموع حارة: لقد أصبحتُ أرملة، وأولادي ليس لهم أحد يعولهم سوى رحمة أرحم الراحمين، وتوقفت ابنتي عن الدراسة، وصار أولادي خائفين من الذهاب إلى المدرسة، وكلما خرجوا أعيش في خوف حتى يعودوا، وذلك بسبب الألغام التي زرعها الحوثيون.
بينما كانت الأم الأرملة نعمة تتحدث بهذه العبارات، بدأت تتجمع في حدقتي عينيها دموع حارة سارت تتدحرج على جفونها إلى أن أجهشت بالبكاء؛ قهرًا على رحيل زوجها وفلذتي كبدها، وضياع مستقبل أولادها البقية الذين أصبحوا بلا معيل، ثم دعت الله قائلة: “الله ينتقم ممن حرمني زوجي وأولادي الله ينتقم منهم”.
بعد أن تعاظمت مأساة ما خلفته الألغام الحوثية على العائلة، نزحت الأم نعمة برفقة أطفالها الأيتام إلى منطقة القطابا بمديرية الخوخة؛ أول مديرية تتحرر من قبضة مليشيات الحوثي، بيد أن العائلة تفتقر لأدنى مقومات الحياة، وتعاني من الفقر والقهر سواء بسواء.
عن “عدن لنج”